نقص التمويل يوقظ "الدفتيريا" بالصومال.. كيف أدى قطع المساعدات إلى زيادة الوفيات؟

نقص التمويل يوقظ "الدفتيريا" بالصومال.. كيف أدى قطع المساعدات إلى زيادة الوفيات؟
مرضى الدفتريا في الصومال

تصاعدت في 2025 أعداد الإصابات والدخول إلى المستشفيات بسبب الدفتيريا في الصومال بدرجة أثارت إنذار السلطات والمنظمات الصحية الدولية؛ أكثر من 1600 حالة وأكثر من 80 وفاة أُبلغ عنها هذا العام، وفق بيانات رسمية تشير إلى تضاعف الحالات مقارنة بعام 2024. 

السلطات المحلية ووكالات الإغاثة تربط هذا التفشّي بتراجع حملات التحصين وانقطاع عمل فرق التطعيم المتنقلة بعد تخفيض كبير في تمويل المساعدات الأجنبية، لا سيما من الولايات المتحدة.

الدفتيريا مرض بكتيري قابل للوقاية بلقاح فعال منذ منتصف القرن العشرين، لكنه يظل مهدداً للأطفال في بيئات ينخفض فيها معدل التغطية باللقاحات الأساسية، وفي الصومال تحسنت مؤشرات التطعيم خلال العقد الماضي، لكن مئات الألوف من الأطفال لا يزالون غير محصنين بالكامل، ما يترك شريحة واسعة من السكان عرضة للتفشّي عندما تتعطل برامج التحصين الروتينية أو الحملات الطارئة، وتعمل اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية مع وزارة الصحة الوطنية على حملات تحصين، لكن نجاحها مرهون بإمدادات كافية وبقدرة على الوصول إلى المناطق النائية. 

نقص الإمدادات وقطع التمويل

السلطات الصحية في مقديشو أوضحت أن حصول البلاد على جرعات كافيات أصبح صعباً بسبب نقص عالمي في اللقاحات وبتأثير خفض المساعدات، وتزامن ذلك مع أرقام عن تقليص مساهمات دولية رئيسية، فالولايات المتحدة خفّضت التزاماتها إلى الصومال بشكل حاد خلال العامين الأخيرين، ما أدى إلى إغلاق مراكز صحية وإيقاف فرق تطعيم متنقلة كانت تصل إلى القرى البعيدة، وكالات الأمم المتحدة كانت قد أطلقت نداءات تمويلية ضخمة للعام 2025 لكن التمويل الوارد بقي ضئيلاً، ما زاد هشاشة نظام الصحة العامة وحد من إمكانات الاستجابة السريعة للأوبئة وفق "ريليف ويب".

وتشير التقارير الرسمية إلى ارتفاع الوفيات المرتبطة بالدفتيريا من 56 حالة في 2024 إلى 87 حالة حتى الآن هذا العام، بينما ارتفعت الإصابات من 838 إلى أكثر من 1600 حالة، وهذه الأرقام لا تعكس فقط الفشل في منع العدوى، بل تكشف عن تأخّر الوصول إلى العلاجات المضادة للسموم والدعم التنفسي في الوقت المناسب، خصوصاً في المناطق التي أُغلقت مراكزها الصحية أو تراجع فيها وجود فرق الطوارئ بحسب رويترز.

التحصين لا يعتمد على اللقاحات وحدها بل على منظومة لوجستية متكاملة تتضمن سلسلة تبريد قادرة على حفظ اللقاحات، وفرق تطعيم متحركة مدعومة بالوقود والسيارات، وسجلات وقواعد بيانات لتتبع الأطفال، ومراكز علاجية مجهزة لتقديم رعاية لحالات الاختطار، وقطع التمويل يضرب كل عنصر من هذه السلسلة.

ويعد نقل فرق التطعيم المتنقلة، وتشغيل المراكز القروية، وصيانة البرادات كلها أمور توقفت أو تقلصت، ما سمح للبؤر المرضية بالتمدد قبل أن تعلن السلطات عنها رسمياً. وفق "ريليف ويب".

تداخل الجوع والمرض

نقص التمويل لا يضرب التحصين وحده، فقد أدى إلى تقليص برامج التغذية والمراكز العلاجية الخاصة بسوء التغذية، ما جعل الأطفال أضعف أمام العدوى ومتأثرين أكثر بمضاعفاتها، وتشير تقارير منظمات إغاثية تشير إلى ارتفاع حالات سوء التغذية الحاد التي تزيد من معدل الوفيات بين المصابين بأمراض تنفسية ومعوية ودفتيريا. النتيجة أن كل تقليص في الموارد يترجم سريعاً إلى وفيات يمكن تجنُّبها. 

وأصدرت منظمات دولية، بينها منظمة الصحة العالمية واليونيسف وجماعات إنقاذ، تحذيرات متكررة حول تأثر حملات التحصين عالمياً ونادت باستمرار الاستثمار في برامج المناعة الأساسية لتجنب اندلاع أوبئة قابلة للوقاية، وفي الصومال دعت وزارة الصحة والجهات الشريكة إلى تعبئة تمويل طارئ لحملات تحصين جماعية واستئناف عمل الفرق المتنقلة وإصلاح سلسلة التبريد، كما طالبت بضمانات استمرارية التمويل حتى نهاية موسم المخاطر. 

الخبراء والمنظمات الحقوقية والصحية يوصون بخطوات متزامنة تشمل استعادة تمويل الطوارئ بما يسمح بإطلاق حملات تحصين واسعة تستهدف الأطفال غير المحصنين، توفير مضاد الدفتيريا والخزانات الباردة، إعادة تشغيل الفرق المتنقلة، وربط برامج التحصين بحملات التغذية والرعاية الأولية، كما تشير التوصيات إلى ضرورة تنويع مصادر التمويل عبر منظمات إقليمية ودولية، وتيسير استيراد اللقاحات من خلال شراكات مع تحالف غافي ومنصات الشراء المشتركة، بحسب منظمتي "الصحة العالمية" و"اليونيسف".

من منظور القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، تترتب على الدول والمانحين التزامات أخلاقية وقانونية ليست مجرد رفاهية، وحماية الحق في الصحة، خاصة للأطفال، تستلزم عدم التحلل عن واجب دعم أنظمة الصحة العامة في بلدان تعاني نزاعاً أو هشاشة. 

تُظهر حالة الدفتيريا في الصومال كيف يمكن لخفض التمويل وخلل اللوجستيات أن يقلب سنوات من تقدم في التحصين إلى موجة وبائية تهدد حياة الأطفال، الدفتيريا ليست استثناءً، بل مؤشّرًا على هشاشة نظم الصحة في وجه أي اضطراب تمويلي أو لوجستي. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية